*
*
.
عن أمـيـر المؤمنـين أبي حـفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عـليه وسلم يـقـول : ( إنـما الأعـمـال بالنيات وإنـمـا لكـل امـرئ ما نـوى . فمن كـانت هجرته إلى الله ورسولـه فهجرتـه إلى الله ورسـوله ومن كانت هجرته لـدنيا يصـيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
.
رواه إمام المحد ثين أبـو عـبـد الله محمد بن إسماعـيل بن ابراهـيـم بن المغـيره بن بـردزبه البخاري الجعـفي،[رقم:1] وابـو الحسـيـن مسلم بن الحجاج بن مـسلم القـشـيري الـنيسـابـوري [رقم :1907] رضي الله عنهما في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفه.
.
شرح مُبسط :
.
- الأعمال : ما المراد بالأعمال هنا ؟
.
هل هي جميع الأعمال ؟ أم أنها الأعمال التي يُتقرب بها إلى الله عز وجل ؟
هذان قولان لأهل العلم لكن الأصح أن كلمة الأعمال هنا تعني جميـع الأعـمال .
.
- النية : النية معناها لغةً : القصد
نويت أن أصلي صلاة العصر أي قصدت صلاة العصر
أما معناها شرعاً : فيُراد بها معنيان :
.
الأول : تمييز عمل عن غيره ... أي على سبيل المثال صلاتي الظهر و العصر كلتاهما أربع ركعات ، لكن ما الذي سيُميز صلاتي للعصر عن صلاتي للظهر ؟
النية ... هي ما ستميز هذا عن ذاك
.
أما الثاني : تمييز المقصود بالعمل
ماذا نعني بتمييز المفصود بالعمل ، أي هذا العمل لله ؟ أم لغيره ؟ أم لله ولغيره
ذهب ثلاثة أصدقاء لأداء الصلاة .. الأول ذهب ليؤديها طاعةً لله عز وجل ، الثاني مُجاملةً لصديقه ، أما الثالث فذهب خوفاً من والده ، كل منهم أدى نفس العمل لكن القصد منه اختلف تبعاً لنيةً أداء العمل .
.
- إنما الأعمال بالنيات : أي أن الأعمال جزاءها النيات
.
- فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله
.
الهجرة :
معناها لغةً : الإنتقال أو الترك
أما إصطلاحاً : فتدرجت على ثلاث مراحل :
.
1- الإنتقال من مكه إلى المدينة
.
2- الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام
.
3- الإنتقال من الذنوب والمعاصي إلى الطاعات
.
ما المعنى الذي يُريد الحديث أن ينقلنا إليه؟
.
إذا نظرنا للمعنى الأول فسنجد أنه غير باقي .. لماذا ؟
.
لأنه انتهى بفتح مكه ،فلا هجرة بعد الفتح كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
.
حسناً .. ماذا عن المعنى الثاني إذاً ؟
.
المعنى الثاني ليس باق على الإطلاق ، ماذا نعني بليس باقٍ على الإطلاق؟
.
أي أنه باقٍ إذا وُجد سببه ، فشخص مُقيم في بلاد شرك لكنه لا يستطيع أن يُهاجر ، أو أنه يقيم شعائر دينه في تلك البلد فلا خوف على دينه ، إذن هجرته هنا غير واجبه .. فمتى تكون واجبه ؟
إذا كان بإستطاعته الهجره ، وإذا خاف على دينه
أي أن المعنى باقٍ إذا وُجد سببه
.
أما المعنى الثالث : فباقي وواجب على الجميع
.
هجرة الذنوب والمعاصي ومانهى الله عنه ، فكما قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام
"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، و المهاجرمن هجر مانهى الله عنه "
.
عادةً في أسلوب الشرط العربي يكون الجواب غير الشرط و الشرط غير الجواب
إذا نجحت فسأعطيك هديه
لكن هنا في هذا الحديث الشريف ،نجد الجزاء مثل الشرط
من كانت هجرته إلى الله ورسوله
فهجرته إلى الله ورسوله
.
وهذا لأن الجزاء قد يكون في اللفظ ظاهراً ، وقد يكون في المعنى ، وهنا الجزاء في المعنى
فهجرته إلى الله ورسوله ، أي جزاءه وثوابه على الله ورسوله
.
-ومن كانت هجرته لـدنيا يصـيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه
أي أن جزاءه كذلك سيكون تحصيل ما أراد بهذه الهجره
.
سبب الحديث :
.
السبب الذي ورد عن هذا الحديث ، أنه جاء في رجل من الأعراب هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم بغرض خطبة امرأة كانت تُدعى "أم قيس" لذلك سمي "مهاجر بن قيس" أي أنه لم يُهاجر من أجل الهجرة و لكنه هاجر من أجل امرأة
.
ولكن يقول الحافظ بن رجب :
تتبعت هذا السبب فلم أجد له أصلاً
لذلك لا يصح هذا السبب إسناداً .... و الله أعلم
.
: أهمية الحديث
.
يقول الإمام الشافعي : هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين باباً من أبواب الفقه.
.
و الإمام أحمد بن حنبل : يقول أن أصول الإسلام على ثلاث أحاديث ذكر منها هذا الحديث.
.
ومن أهميته .. بدأ به الإمام البخاري كتابه وجعله أول حديث رغم أنه في الظاهر لا ينتمي إلى الباب الذي تصدر الكتاب وهو باب "الوحي" وتبعه في ذلك الكثير من أهل العلم منهم الإمام النووي فجاء بهذا الحديث في الصدارة ليكون بمثابة مقدمه مفادها أن كل عمل لا يقوم إلا على نية صالحه
.
المصدر : محاضرات الشيخ فالح بن محمد الصغير
*
*