Tuesday, June 5, 2007

أعلم أهل الأمة بالحلال و الحرام

المكان : مكة المكرمة .
.
الزمان : العام الثالث عشر من البعثة .
.
الحدث : بيعة العقبة الثانية .
.
في موسم الحج للعام الثالث عشر من الهجرة والذي تلى "بيعة العقبة الأولى" جلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين ثلاثاً وسبعين رجلاً(اثنان وستون من الخزرج ، وأحد عشر من الأوس ومعهم امرأتان) يُطلعهم على شروط البيعة قائلاً :
.
"أشترط لربى أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً ، ولنفسي أن تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم متى قدمت عليكم"
.
إذا أمعنت النظر بين الجالسين ستجد شاباً في الثامنة عشرة من عمره ، مُشرق الوجه ،هادئُ المجلس ،تتّقد عينيه ذكاءً
.
ذلك كان معاذ بن جبل .
.
من قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم :
- " أعلم أمتي بالحلال و الحرام معاذ بن جبل" *
.

وقال عنه :
- خذوا القرآن من أربعـة : من عبد الله ابن مسعـود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفـة "
.
وهو من قال عنه الفاروق عمر بن الخطاب :
- "من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل"
.
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري - رضي الله عنه - وكنيته أبا عبدالرحمن .
.
أنعم الله سبحانه وتعالى على "مُعاذ" بعقلٍ راجح وفكرٌ مستنير ، ومنطقاً آسراً مُقنعاً ، جعلوا منه حجةً في الفقه ، يُحتكم بأمره و يُفصل به .
وكل هذا لم يأت مُعاذاً من فراغ ، بل نتاجاً لحرصه على ملازمة النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ هاجر إلى المدينة ، فأخذ عنه القرآن الكريم و الشرائع الإسلامية ليكون واحداً من الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و واحداً من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين انتهجوا بنهجه و تتبّعوا خُطاه ...
.
انظروا للمكانة التي منحها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل ...
.
يقول معاذ :"أخذ بيدي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال إني لأحبك يا ‏ ‏معاذ ‏ ‏فقلت وأنا أحبك يا رسول الله فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فلا تدع أن تقول في كل صلاة ‏ ‏رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"
.
وليس هذا فحسب بل بلغت منزلة معاذ أعلى من هذا فقد كان يُردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه على ظهر دابّةٍ واحده ...
.
يقول معاذ :" بينما أنا رديف النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال يا ‏ ‏معاذ ‏ ‏قلت لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا ‏ ‏معاذ ‏ ‏قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا ‏ ‏معاذ بن جبل ‏ ‏قلت لبيك رسول الله وسعديك قال ‏ ‏هل تدري ما حق الله على عباده قلت الله ورسوله أعلم قال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم سار ساعة ثم قال يا ‏ ‏معاذ بن جبل ‏ ‏قلت لبيك رسول الله وسعديك قال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه قلت الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله أن لا يعذبهم ،فقلت ألا أخبر الناس ؟ قال : لا لئلا يتكلوا "
.
إذن فهذا أمراً استودعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل وخصّه به وحده ، أوليس هذا بأبلغ دليل على قدر منزلة وحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ ؟
.
وقد عمل معاذ بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يُخبر به إلا قبل موته -رضى الله عنه- خشيةً أن يأثم لتكتّمه علماً .
.
لم يترك "معاذ" فرصةً إلا ويُحاول الإستزاده من نبع النبوة الصافي الذي لا ينضب ، فيأتي معاذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً قائلاً :
.
"يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه ‏ ‏تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة ‏ ‏وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج ‏ ‏البيت ‏ ‏ثم قال ألا أدلك على أبواب الخير الصوم جنة ‏ ‏والصدقة ‏‏تطفئ الخطيئة وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ قوله تعالى ‏ " تتجافى ‏ ‏جنوبهم عن المضاجع ..‏ ‏حتى بلغ ‏ ‏يعملون" ‏ ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة ‏ ‏سنامه ‏ ‏فقلت بلى يا رسول الله قال رأس الأمر وعموده الصلاة وذروة ‏ ‏سنامه ‏ ‏الجهاد ثم قال ألا أخبرك بمِلاك** ذلك كله فقلت له بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه فقال كف عليك هذا فقلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ‏ ‏ثكلتك ‏ ‏أمك يا ‏ ‏معاذ ‏ ‏وهل يكب الناس على وجوههم في النار ‏ ‏أو قال على مناخرهم ‏ ‏إلا حصائد ألسنتهم "
.
ياله من حوارٍ رائع بين معلم البشرية و تلميذِ دار في فلك النبوة المشرقة التي لا تغيب إلى يوم القيامة ، حوار يأتينا بدُررٍ لتتوّجنا يوم القيامة-بإذنه تعالى- من أصحاب اليمين .
.
تلك كانت نشأة معاذ بن جبل ، وما أعظمها من نشأة بين يدي رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة و السلام
.
* معاذ بن جبل سفيراً للإسلام *
.
جاءت رسل ملوك اليمن في أوائل العام العاشر من الهجرة بعد عودة النبي-صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك وطلبوا منه أن يرسل معهم من يعلمهم ويُفقههم في أمور الدين فوقعت عين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على "معاذ بن جبل" واختاره ليكون سفيراً للإسلام و المسلمين باليمن ، وقبل ذهابه يخرج معه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليوصيه قائلاً :
.
"يا معاذ ‏إنك تأتي قوما من ‏أهل الكتاب ‏فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك ‏ ‏وكرائم*** ‏ ‏أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"
.
ولقد تشرّب معاذ دروس رسول الله صلى الله عليه وسلم و أجاد تطبيقها فيلقاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً قائلاً :
"كيف تقضي إذا عرض لك قضاء قال أقضي بكتاب الله قال فإن لم تجد في كتاب الله قال فبسنة رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال فإن لم تجد في سنة رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ولا في كتاب الله قال أجتهد رأيي ولا ‏ ‏آلو **** ‏فضرب رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏صدره وقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما ‏ ‏يرضي رسول الله "
.
وقبل ذهابه يودعّه رسول الله صلى الله عليه وسلم وداعاً مؤثراً، فبعد أن يفرُغ من نصحه ومُعاذ راكباً ورسول الله ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏ ‏يمشي تحت راحلته قائلاً :
"يا ‏ ‏معاذ ‏ ‏إنك عسى أن لا ‏ ‏ تلقاني بعد عامي هذا أو لعلك أن تمر ‏ ‏بمسجدي ‏ ‏هذا أو قبري فبكى ‏ ‏معاذ ‏ ‏جشعا ‏ ‏لفراق رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ثم التفت فأقبل بوجهه نحو ‏ ‏المدينة ‏ ‏فقال ‏ ‏إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا "
.
ينطلق بعدها معاذ إلى اليمن مُحملاً بنصائحه صلى الله عليه وسلم وشرائع الحقّ جلّ جلاله ، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى لايعود معاذ إلا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- و عند عودته يمر على قبر أستاذه ومعلم البشرية -عليه أفضل الصلاة والسلام- ، ولايطيق "معاذ" بقاءً بالمدينة فلقد عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يكون رايةً من رايات الجهاد فيستأذن خليفة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أبا بكر ألا يُقيم بالمدينة و أن يعود على الفور إلى بلاد الشام عسى أن يرزقه الله سبحانه و تعالي الشهادة هناك .فيأذن له "الصدّيق" و ينطلق معاذ ليجاهد تحت أمرة أبا عبيدة بن الجرّاح ..
.
ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يموت أبا عبيدة بالطاعون فيأمر عمر بن الخطاب -الخليفة آنذاك - أن يتولى القيادة "معاذ بن جبل" ، لكن لم تمض أيام قلائل إلا ويُبتلى معاذ بن جبل بالطاعون .
.
لينام ابن الثالثة و الثلاثين على فراش الموت مُحدقاً في السماء مناجياً المولى عز وجل :
.
"اللهم إنك تعلم أني كنت أخافك ولكني اليوم أرجوك ، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا لجري الأنهار،ولا لغرس الأشجار ....لوكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ،ونيل المزيد من العلم و الإيمان و الطاعة "
.
ثم بسط يمينه كأنه يصافح الموت : " مرحباً بالموت .. حبيب جاء على فاقه "
.
وفاضت روحه الطاهرة ليلقى الأحبه ..
.
نسأل الله سبحانه وتعالي أن يجمعنا بهم ومعهم في دار كرامته إنه سميع قريبُُ مجيب الدعوات .
.
____________________________
.
*
عن حديث رواه أحمد و الترمذي : [ عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أرحم أمتي بأمتي أبو بكر و أشدهم في أمر الله عمر و أصدقهم حياء عثمان و أعلمهم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل و أفرضهم زيد بن ثابت و أ قرؤهم أبي بن كعب و لكل أمة أمين و أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح[
.
‏**
بمِلاك : بكسر الميم ، أي :بما به يملك الإنسان ذلك كله بحيث يسهل عليه جميع ما ذكر
.
***
كرائم : جمع كريمة وهي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة أو كثرة لحم أو صوف
.
****
ولا آلو : بمد الهمزة - متكلم من آلى يألو ، و قال الخطابي : معناه لا أقصر في الاجتهاد ولا أترك بلوغ الوسع فيه
.
المصادر : كتاب رجال حول الرسول
خطب الشيخ الفاضل محمد حسّان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 comments:

uogena said...

مرحبا شيماء..
الحقيقه ان عرضك واختيار الشخصيه جاء موفق جدا بالنسبه لى

معاذ بن جبل من الشخصيات التى تدخل القلب مباشره ..
والتى عن نفسى احبها كثيراً

سأقرأ السيره بتمعن ..فقط أردت تحيتك

La RoSe said...

بسم الله الرحمن الرحيم

يوجينا

ده من بعض ماعندكم يافندم
بإنتظار جديدك بقى

سعد

جزانا وإياك
واتمنى أن تداوم على زيارتنا :)

تحياتي

Sea Waves said...

جزاك الله خير

قصص معاذ رضي الله عنه مؤثرة جدا

الله أكبر